يتعامل الأفراد مع مشاعرهم بطُرقٍ مُختلفة؛ فالبعض يتّخذ الرسم أو الكتابة أسلوبًا لتخفيف ما يعانيه، أو ربما اللجوء لممارسة الأنشطة الرياضيَّة أو التحدث مع الأصدقاء والأحبّة، غير أنّ البعض يتعامل مع مشاكله ومشاعره السلبية بطريقةٍ غير سليمة، كاللجوء لإيذاء النفس بهدف تجاوز هذه المشاعر، وهو ما قد يكون الشرارة الأولى لتفاقم المشكلات وزيادة تعقيدها، بل وربما ينتهي الأمر بالانتحار، لذلك، سنتحدث في هذا المقال عن مشكلة إيذاء النّفس ضمن محاور عديدة، وكيفيّة التّعامل معها.
ما هي أذية النفس؟
أذيّة النّفس أو الجرح الذاتي أو إيذاء النفس (Self-harm or Self-injury)؛ هي التسبّب بالضَّرر أو الألم للجسم بصورة مُتعمَّدة ودون وجود نيّة انتحارية، وذلك بهدف التّعامل مع المشاعر السلبية والآلام العاطفيّة والغضب الشديد، غير أنّ شعور السّيطرة لا يدوم طويلًا، لتعود المشاعر السّلبيّة والآلام وتكون أسوأ من قبل، وهو ما يدفع الشّخص إلى إلحاق الأذى بنفسه من جديد ليشعر بالسّلام والسّيطرة.
ما أشكال أذية النفس؟
تختلف طبيعة وشكل أذية النفس بشكلٍ كبير من شخص لآخر؛ فالبعض يؤذي نفسه مرة واحدة، ولكنْ يوجد من يقضي سنينًا من حياته في أذيّة النفس وإلحاق الضّرر بها، كما أنّ من هؤلاء من يفكّر بالانتحار عند قيامه بإيذاء نفسه، ومنهم لا يفكر في ذلك، أمّا عن أشكال أذيّة النّفس فهي عديدة ومتنوعة، ومن أبرزها:
– تعاطي المخدرات أو الإفراط في شرب الكحول، أو تناول بعض المواد الضّارّة؛ كالسّموم.
– الإفراط في تناول الأدوية.
– جرح الجسم بأداة حادّة، أو حفر الكلمات أو الرّموز عليه.
– حرق الجلد باستخدام السّجائر أو أعواد الثّقاب أو المعادن السّاخنة.
– ضرب الجسد باليد أو ضرب الرّأس بالحائط.
– خدش الجلد بطريقة عنيفة، أو وخزه بالإبر أو بالأدوات الحادّة.
– تجويع الجسد أو تناول الطّعام بنَهَم.
– عدم السّماح للجروح بالالتئام والتعافي.
– شدّ الشّعر أو عضّ الجسم.
– التّعرّض المستمرّ للمواقف الخطِرة.
– إدخال أشياء تحت الجلد.
– الدخول في عراك مع الآخرين ومعرفة أنّه ينتهي بأذى جسدي.
– الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية.
ومع ذلك، مهما اختلفت طبيعة وشكل إيذاء النفس، فإنّ ضَرَر هذا الأسلوب يشكّل عبئًا كبيرًا على الصحّة النّفسيّة، ولا بدّ من عدم تجاهله أو تهميش حدوثه.
لماذا يقوم البعض بأذية أنفسهم؟
قد يختلف سبب القيام بأذية النفس بين موقف وآخر، غير أنّ الأسباب الرئيسية تتمثّل في عدم مقدرة الشّخص على التّعامل مع مشاعره خلال المواقف الصّعبة التي تسبّب له الضّيق، و ضعف قدرته على إيجاد أساليب تأقلم صحيّة، فالشخص الذي يؤذي نفسه يستخدم هذا الأسلوب لـ:
– تقليل الشّعور بالقلق والضّيق، وتحقيق الرّاحة النّفسيّة قصيرة الأمد.
– تخفيف العواطف أو الأفكار المتسارعة والهائجة، وإيجاد مصدر إلهاء عن ما يحدث من آلام نفسية.
– تحويل الألم العاطفي إلى ألم جسدي.
– التّعبيرعن المشاعر التي لا يُمكن التعبير عنها بالكلمات؛ كالاكتئاب وفقدان الأمل في الحياة.
– تحرير الآلام العاطفيّة.
– الهروب من الذكريات المؤلمة.
– عقاب النفس بسبب تجارب أو مشاعر معيّنة أو أخطاء.
– إيجاد سبب للعناية بالنفس جسديًّا.
– التعبير عن الأفكار والمشاعر الانتحارية، ولكنْ دون إنهاء الحياة.
– التوقف عن الشعور بالانفصال أو الخَدَر.
– الإحساس بأي شيء حتى وإنْ كان ألمًا، لتجنّب الشّعور بالفراغ العاطفيّ.
– تحقيق الشّعور بالسّيطرة من خلال التّحكّم بما يحصل للجسم، في بيئة لا سُلطة له فيها.
من هي الفئة الأكثر عرضةً للإقدام على أذية النفس؟
قد يُقْدِم أيْ شخص على إيذاء نفسه بقصدٍ أو من غير قصد، ولكنّ البعض معرَّض لإيذاء نفسه بصورة أكبر مقارنةً بغيره، وهؤلاء هم:
– المراهقين؛ كونهم في مرحلة تعلّم كيفيّة التّعامل مع المشاعر المرتبطة بمشاكل وصعوبات الحياة.
– الأشخاص الذين يعانون من إحدى الاضطرابات النّفسيّة؛ كاضطراب الشخصية الحدية، والاكتئاب، واضطرابات القلق، واضطرابات الأكل.
– الذين يتعرضون للتنمّر بأنواعه، أو الإيذاء (Abuse) الجسديّ أو العاطفيّ أو الجنسيّ.
– الأشخاص الذي يتعرّضون للصّدمة نتيجة مواجهة إحدى الأحزان في حياتهم؛ كخسارة عزيز، أو إنتهاء علاقة عاطفية، أو التعرّض للمشاكل الماليّة، أو خسارة الوظيفة، أو غير ذلك.
– المجموعات المُتواجدة في أماكن احتجاز المُهاجرين، أو في أماكن الرعاية خارج المنزل.
– من لديهم أصدقاء يقومون بإيذاء أنفسهم.
– الأشخاص الذين يُقدمون على تعاطي المخدرات أو المشروبات الكحولية، ويحدث إيذاء النفس غالبًا أثناء التعاطي.
– من لديهم تاريخ سابق للقيام بأذيّة النفس.
– الأشخاص الذين يعانون من مشاكل العنف والهجوم، أو تدني احترام الذات، أو الاندفاع، أو سوء مهارات السيطرة والتعامل مع المشكلات، أو صعوبة حل المشكلات.
كيف أعرف إن كان أحد أحبتي يؤذي نفسه؟
يُمكنكَ تمييز إنْ كان الشخص يمرّ في أزمة أو مشكلة معينة بناءً على ملاحظتك التغيّر في شخصيته وتصرفاته، وما عليكَ في هذه الحالة سوى فتح باب الحوار معه والتحدّث بأسلوب هاديء مع ضرورة عدم إصدار الأحكام قبل معرفة ما يُواجهه بالفعل، وتتمكّن من مساعدته بأفضل طريقة، ومن العلامات التي قد تدلّ على أنّ الشّخص يؤذي نفسه:
– ظهور الإصابات على أجزاء من جسمه دون وجود سبب منطقيّ لظهورها، سواءً جروح، أو خدوش، أو حروق، أو كدمات.
– ارتداء الملابس ذات الأكمام الطّويلة على غير العادة؛ بهدف إخفاء الإصابات.
– تجنّب الاحتكاك بالأصدقاء والعائلة، أو التواجد في المواقف الاجتماعيّة المختلفة.
– فقدان الاهتمام في الهوايات والأنشطة الاعتيادية.
– تغيّر عادات النّوم والأكل.
– تغيّر المزاج بشكلٍ مفاجيء.
– الشكوى من الصّداع أو آلام المعدة دون وجود سبب واضح لحدوثها.
– تناول جرعات كبيرة من الأدوية، والحاجة للعناية الطبية الطارئة.
– تراجع الأداء في المدرسة أو العمل.
– إعطاء أعذار مختلفة حول الإصابات والسلوكيات.
– الاحتفاظ بالأشياء الحادّة أو الخطِرة بسرّية، كشفرات الحلاقة، وولاعة السجائر.
– القيام بغسل الملابس بصورة منفصلة.
– ملاحظة علامات وأعراض القلق والاكتئاب عليه، والتقلب الشديد في المزاج.
– صعوبة التواصل مع الأحبة والمعارف.
كيف يتم علاج من يقوم بأذية نفسه؟
في البداية، يقوم الطّبيب النّفسيّ بعمل تقييم نفسيّ شامل للشّخص الذي يقوم بإيذاء نفسه لمعرفة جذور المشكلة، والتأكد من ارتباط هذا السلوك بمشكلات أو اضطرابات نفسيّة معيّنة تؤثر سلبًا على جوانب الحياة المُختلفة.
فلا يوجد علاج مُحدّد أو طريقة علاجية معينة لسلوك إيذاء النفس، إذْ يعتمد تحديد الخطة العلاجية الأنسب على طبيعة المشكلة وأيّة اضطرابات نفسية وعقلية يعانيها الشخص، وعمومًا، يُساعد العلاج في السيطرة على الاضطراب وعلى سلوك إيذاء النفس، مع التأكيد على أنّ التعافي يحتاج الوقت والجهد الكافي، والرغبة في التّحسّن. ومن الطُّرُق العلاجية المتاحة لحالات أذية النفس:
العلاج النّفسي
يعدّ العلاج النّفسيّ حجر أساس العلاج في هذه الحالة، فهو يهدف إلى إكساب الفرد مهارات الإدارة والتّعامل مع المشاعر المختلفة بطريقة صحيّة سليمة، ومساعدته على رفع ثقته بنفسه وتحسين نظرته لذاته. ومن أنواع العلاج النّفسيّ التي قد يلجأ الطبيب لاستخدامها:
– العلاج المعرفي السّلوكيّ (Cognitive behavioral therapy or CBT)؛ حيث يساعد هذا العلاج على معرفة السلوكيات والمُعتقدات السّلبيّة وغير الصحيّة، واستبدالها بأساليب تأقلم إيجابيّة وصحيّة.
– العلاج السّلوكي الجدلي (Dialectical Behavioral Therapy or DBT)، إذْ يساعد هذا العلاج على تعلّم مهارات التّعامل مع المواقف العصيبة والمشاعر التي ترافقها بطريقة سليمة، وتحسين العلاقات مع الآخرين.
– العلاج المعتمد على اليقظة الكاملة (Mindfulness-based Therapy)، حيث يساعد هذا العلاج على تحسين الصحة النفسية عمومًا، والتّركيز على اللّحظة الحالية وعلى ما يُمكن تغييره، وتقليل الشّعور بالقلق والاكتئاب.
مجموعات الدعم
وهي لقاءات بين الأفراد الذين يواجهون المشكلة ذاتها، وقد تركّز هذه المجموعات على موضوع أو مشكلة محدّدة أو تكون عامة.
العلاج الدّوائي
قد يلجأ الطّبيب النّفسيّ للعلاج الدّوائيّ في بعض الحالات، خاصّةً إنْ رافق إيذاء النّفس ظهور إحدى الاضطرابات النّفسيّة التي قد تتحسن بالأدوية؛ مثل مضادّات الاكتئاب ومضادات القلق وغيرها، فعلاج مُسبِّب إيذاء النّفس يساعد على تحسّن الحالة، ويقلّل الرّغبة في إيذاء النّفس.
العلاج في المستشفى
إذْ يُدخَل الشخص الذي يؤذي نفسه المستشفى ليقيم فيه إن كانت أذيّته لنفسه خطِرة أو متكرّرة؛ فالمصاب بحاجة للتّواجد في بيئةٍ آمنة ومراقبة على مدار السّاعة، مع تلقي أفضل العلاج إلى حين مرور الأزمة، وعادةً ما تكون فترة إقامة الشخص في المستشفى قصيرة الأمد.
علاج الندبات
يشعر البعض بالحاجة لعلاج الندبات الناجمة عن إيذاء النفس، وفي هذا الصّدد يتوفر العديد من الخيارات التي تساعد على تخفيف مظهر الندبات وعلى تغطيتها، وإخفاءها عن البشرة قدر المُستطاع.
كيف بإمكاني تجنّب إيذاء نفسي عندما أشعر برغبة في القيام بذلك؟
لتجنّب إلحاق الأذى بالنفس يُمكنكَ اتباع النصائح الآتية:
اتباع طرق تشتيت الانتباه
– مارس إحدى أنواع الأنشطة الرياضيّة لتخفيف الضغط والتوتر.
– اركض أو امشِ في الطّبيعة.
– اكتب ما تشعر به على ورقة، ثمّ أحرق أو مزّق الورقة.
– استمع للموسيقى الهادئة أو لأيّة أصوات مريحة.
– تمدّد على الأرض أو في أيّ مكان يريحك، وخذ نفسًا عميقًا ببطء.
– تحدّث مع شخص تثق به ويُشعِرك بالأمان والرّاحة النّفسيّة.
– قم بالصراخ أو البكاء أو النوم.
– التأمل؛ كالقيام بتمارين الاسترخاء، أو التنفس العميق.
– خذ حمّامًا باردًا أو امسك مكعّبات الثّلج في يدك.
– نظّف أو أعد ترتيب غرفتك أو منزلك.
– قم بشمّ شيء قويّ الرّائحة.
– ارسم على رسغك، أو انقره بالمطّاط عوضًا عن استخدام الأدوات الحادّة.
اتباع أسلوب التأجيل
فبإمكانك أنْ تؤجّل أذيّة نفسك والانتظار خمس دقائق في البداية، ثمّ زيادة المدّة تدريجيًّا حتّى تستطيع مقاومة إيذاء نفسك، قد تبدو هذه النّصيحة غير فعّالة أو صعبة، ولكنْ يُمكن تطبيقها تدريجيًّا، وبالفعل قد تصنع فارقًا وتُمكّنك من تجنّب إيذاء النفس، خاصّةً إنْ صاحبت هذه التّغيرات الطّفيفة الخضوع للعلاج النّفسيّ المتخصِّص.
تمييز المحفزات
فإن استطاع الشخص تمييز ما يُثير رغبته في أذيّة نفسه، فإنّ باستطاعته تجنّب المثيرات والتفكير بإيجابيّة عوضًا عن الانغماس في الأفكار المؤذية، كما باستطاعته إيجاد التّغييرات الحياتيّة التي تساعده بشكلٍ أفضل على إدارة مشاعره بطريقة صحيّة سليمة، وتحسين نمط حياته.
كيف بإمكاني التّوقّف عن أذيّة نفسي؟
يحتاج التّوقّف عن أذيّة النّفس للإرادة والكثير من الجهد، ويساعدكَ في ذلك اتباع الآتي:
– اطلب المساعدة من الطّبيب النّفسيّ.
– احصل على دعم العائلة والأصدقاء، فأنت لست وحيدًا والجميع بحاجة لمن يشاركهم أعباء الحياة بين الحين والآخر.
– تقبَّل مشاعرك واعرف ما يدفعك لواجهتها بهذه الطريقة؛ لتتمكّن من تحويل أساليب التّفكير السّلبيّة المؤذية إلى أساليب تفكير إيجابيّة.
– حاول زيادة ثقتك بنفسك، وتحسين نظرتك لذاتك.
– اتبع أسلوب حياة صحّي لتشعر بالتحسن؛ والذي قد يتضمن الاهتمام بتناول الغذاء الصّحيّ المتوازن، وممارسة إحدى أنواع الرّياضات أو الأنشطة الجسدية، وأخذ القسط الكافي من الرّاحة، وممارسة الأنشطة الممتعة مع الأصدقاء.
– حاول فهم طبيعة إيذاء النفس التي تعانيها، وما أسبابها الفعلية، والتعامل مع المشكلة الأساسية.
وإذا كنت تريد معرفة الطرق الأفضل لمساعدة أحبتكَ ومن حولك على تجنب إيذاء النفس، ننصحكَ بالآتي:
– عدم استباق إصدار الأحكام على الشّخص الذي يعاني المشكلة؛ فهو يعاني من عدم قدرته على إدارة مشاعره والتّعامل معها، وتكون الرّغبة بإيذاء نفسه مُلِحّة بشكلٍ كبير.
– محاولة التّعاطف مع الشّخص ودعمه وتذكيره بقيمته.
– إعطائه الفرصة لاتّخاذ قراراته، مع الصبر الشديد وإشعاره بالدعم النفسي.
– معرفة العلامات التحذيرية لإيذاء النفس وكيفية التصرف في حالة وجود شكوك تؤكد حدوثها.
– مساعدة الشخص على إقامة العلاقات الصحية مع الآخرين، وهو ما قد يعزّز مهارات التواصل لديه.
وأخيرًا، إيذاء النفس يعدّ سلوكًا خطِرًا لا يُمكن تجاهل حدوثه أو إهمال أسبابه، فأنتَ بذلك تتأقلم بطريقة خاطئة مع مشاعركَ السلبية، ولكنْ ما عليكَ سوى مراجعة الطبيب النفسي واستشارته حول أفضل الطرق التي قد تساعدكَ على تخطي هذا السلوك وتصحيحه، فلحسن الحظ يُمكنكَ التعافي منه، خاصةً إذا عُرفت الأسباب والمُثيرات، وكن دائمًا على يقين بأنّ أسوأ المواقف وأكبر المشكلات يُمكن حلها والتعامل معها بإيجابية.
المراجع
- https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/self-injury/symptoms-causes/syc-20350950
- https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/self-injury/diagnosis-treatment/drc-20350956
- https://www.healthdirect.gov.au/self-harm
- https://www.betterhealth.vic.gov.au/health/conditionsandtreatments/self-harm#who-is-at-risk-of-self-harm
- https://www.mind.org.uk/information-support/types-of-mental-health-problems/self-harm/about-self-harm/
- https://www.mind.org.uk/information-support/types-of-mental-health-problems/self-harm/why-people-self-harm/
- https://www.mind.org.uk/information-support/types-of-mental-health-problems/self-harm/helping-yourself-now/
- https://www.mind.org.uk/information-support/types-of-mental-health-problems/self-harm/helping-yourself-long-term/
- https://www.mind.org.uk/information-support/types-of-mental-health-problems/self-harm/treatment-and-support/