متلازمة ستوكهولم (Stockholm Syndrome)
بين صدمات الحياة ومواقفها العنيفة التي قد يُواجهها الأفراد، قد يقع البعض ضحيّةً للإساءة أو ربما يوضع في الأسر ويؤخذ كرهينة لسببٍ أو لآخر، ونعلم بأنّ التغيرات النفسية وردود الفعل والتعامل مع مثل هذه المواقف لا تتشابه بين الضحايا، وتظهر بطريقة يصعب توقعها، ولكنْ ماذا لو كانت استجابة الضحية تجاه المُعتدي غريبة بحيث كوّنت رابطة ومشاعر إيجابية معه؟ لذلك سنتطرق بالحديث في هذا المقال عن متلازمة ستوكهولم، وكافة الجوانب المتعلقة بها.
ما هي متلازمة ستوكهولم؟
متلازمة ستوكهولم (Stockholm syndrome) ليست تشخيصًا نفسيًّا رسميًّا، وإنّما تُعرف على أنها آلية للتأقلم مع المُسيء أو الخاطف، والتي يطوِّرها الأسرى مع مرور الوقت، بحيث يُشكِّل المصابون بها علاقة نفسية مع خاطفيهم، ويبدأون بالتعاطف معهم وتطوير مشاعر إيجابية تجاههم، وربما يشعرون بأنّهم يشاركونهم الأهداف والأسباب، وعادةً ما تكون هذه المشاعر عبارة عن آلية للتأقلم مع الصدمة أو سوء المعاملة يطوِّرها الضحايا للبقاء على قيد الحياة أيام أو أسابيع أو حتى سنوات.
وفي الحقيقة، قد ينطبق ظهور هذه المتلازمة على مواقف وسيناريوهات عِدة تحدث في يومنا هذا، كالإساءة للطفل، والإساءة في العلاقات العاطفية، وغيرها الكثير، مع الإشارة إلى أنّ هذه الآلية لا يتبعها جميع ضحايا الأسر والإساءة للتأقلم مع مواقفهم، وسبب ظهورها لدى البعض غير واضح حتى الآن.
ما سبب تسمية متلازمة ستوكهولم بهذا الاسم؟
سُميت متلازمة ستوكهولم بهذا الاسم وفقًا لحادثة سطو على بنك يقع في مدينة ستوكهولم عاصمة دولة السويد، والتي وقعت في عام 1973م، فخلال السطو الذي استمر 6 أيام تقريبًا،كان موظفو البنك رهائن لدى اللصوص، وحدث أنْ تعاطف العديد من هؤلاء الموظفين مع اللصوص الآسرين، لدرجة رفض الشهادة ضدهم في المحكمة، بل وجمعوا أموالًا للدفاع عنهم.
ما هي أعراض متلازمة ستوكهولم؟
تظهر لدى الضحية أعراض متلازمة ستوكهولم عندما يكون لديها الآتي:
– المشاعر الإيجابية تجاه الخاطفين أو المُعتدين.
– المشاعر السلبية تجاه الشرطة، أو الشخصيات ذات السلطة، أو أيْ شخص أو جهة تُحاول مساعدتهم وتخليصهم من الأسر أو الاعتداء.
– التعاطف مع معتقدات وسلوكيات آسريهم وإدراك إنسانيتهم، والاعتقاد بأنّ أهداف وقِيَم واحدة تجمعهم.
– الشعور بالشفقة تجاه الآسر أو المُعتدي.
– رفض مساعدة الشرطة والسلطات الحكومية في مقاضاة مرتكبي الانتهاكات أو الاختطاف.
– رفض ترك الآسرين، حتى لو أتيحت له الفرصة للأسرى للهروب.
وربما تظهر أعراض أخرى لمتلازمة ستوكهولم قد يتشابه بعضها مع اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والتي قد تضم:
– الشعور بانعدام الثقة أو الغضب أو التوتر أو القلق أو الاكتئاب.
– استرجاع ذكريات الماضي.
– مواجهة صعوبة في التركيز.
– عدم القدرة على الاسترخاء أو الاستمتاع بالأشياء التي كان الشخص يستمتع بها سابقًا.
– الشعور بالذنب أو الارتباك.
– الخجل من مشاعرهم تجاه المُعتدي.
– المعاناة من الأرق.
وبعد تحرّر الضحية قد تستمر المشاعر الإيجابية تجاه الآسر أو المعتدي، أو ربما تعاني من أعراض وآثار أخرى، مثل:
– الشعور بالخواء الداخلي.
– الاكتئاب.
– الإنكار أو القلق أو فقدان الأمل.
– الشعور المستمرّ بالضغط.
– الانسحاب الاجتماعي.
– الاعتمادية المُفرطة على الأشخاص المُحيطين.
– فقدان الاهتمام بالأنشطة.
ما الذي يسبب متلازمة ستوكهولم؟
كما بينّا سابقًا، سبب ظهور متلازمة ستوكهولم على بعض الأسرى أو الضحايا دون آخرين غير واضح حتى الآن، ولكنْ فسرت بعض النظريات أسباب تطورها كالآتي:
– متلازمة ستوكهولم عبارة تقنية مكتسبة أُخِذت من أسلافنا القدماء كطريقة تزيد من فرصة البقاء على قيد الحياة، خاصّةً وأنّ الأسر والقتل كان شائعًا في وقتهم، وهذه المتلازمة تعدّ سمة بشرية طبيعية كما يقول بعض علماء الطب النفسي التطوري.
– متلازمة ستوكهولم تنجم عن التواجد في موقف مشحون ومتأجّج عاطفيًّا، لذلك يميل البعض لضبط المشاعر والتعاطف مع المعتدي والتعاون معه وعدم مقاومته، وهو ما قد يضمن سلامتهم، وربما الشعور بالامتنان لعدم قيام المعتدي بأذيتهم.
كما وتزداد فرصة حدوث متلازمة ستوكهولم عند توفّر عوامل مختلفة، مثل:
– عدم تنفيذ التهديدات والأذى الجسدي.
– اعتماد الرهينة على الآسر بتوفير الاحتياجات اليومية.
– عدم تجريد الرهائن من إنسانيتهم.
– مشاركة المكان مع المُعتدي في ظروف صعبة؛ كأنْ يكون المكان غير مريحًا، أو لا يتوفر فيه ما يكفي من الطعام.
كيف تُعالَج متلازمة ستوكهولم؟
لا يوجد توصيات علاجية رسمية بشأن متلازمة ستوكهولم كوْنها لم تُشخَّص على أنها اضطراب نفسي، ولكنْ في حال لاحظ الطبيب السلوكيات المميزة لهذه المتلازمة وما نتج عن الموقف الصادم الذي تعرَّضت له، قد يلجأ لاعتماد بعض الخيارات العلاجية للسيطرة على بعض المشكلات؛ كالقلق، والاكتئاب، وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ومن هذه الخيارات:
العلاج النفسي:الذي يكون على يد طبيب أو مستشار نفسي يساعد الشخص على تطوير استراتيجيات وأدوات لاستخدامها في محاولة فهم تجاربهم، والعمل خلالها، وتعلم كيفية المُضي قدمًا في الحياة.
العلاج بالأدوية: فقد يصِف الطبيب بعض الأدوية التي ربما تساعد على تحسين أعراض اضطراب المزاج، والمساعدة على النوم، أو تقليل القلق أو الاكتئاب، مع التأكيد على ضرورة اتباع تعليمات الطبيب بشأن كيفية استخدام الدواء ومدّته.
حالات في يومنا الحاضر قد تظهر فيها متلازمة ستوكهولم
كما بينّا في بداية المقال، تظهر متلازمة ستوكهولم في مواقف عِدة نعيشها لا تتعلق بالسطو على بنك واحتجاز الرهائن، ولتوضيح هذه المواقف يُمكنكَ الاطلاع على الآتي:
الإساءة في العلاقات العاطفية
لوحظ أنّ سوء التعامل في العلاقات (من اعتداء جنسي وجسدي وعاطفي) قد يولِّد مع الوقت نوعًا من الارتباط العاطفي والمشاعر الإيجابية بين المُعتَدى عليه والمُعتدي، وربما تتعاطف الضحية مع الشخص الذي يُسيء معاملتها.
الإساءة للأطفال
يتعرَّض الأطفال للإساءة والتهديد بطرق مختلفة، فيقوم الطفل الضحية بمحاول الانصياع لأوامر المُعتدي وتجنّب إغضابه، وقد يحدث أحيانًا أنْ يكون المُعتدي لطيفًا مع الطفل أيضًا، هذه الأمور تزيد من حالة الإرباك التي يعيشها الطفل، وعدم استيعاب طبيعة هذه العلاقة السلبية.
الاتجار بالجنس
بسبب الخوف والاعتماد على المُعتدين من أجل الحصول على متطلبات الحياة الأساسية، قد يتطوّر لدى ضحايا الاتجار مشاعر إيجابية تجاه المُعتدين الذين يقدمون لهم هذه المتطلبات؛ كالماء والطعام، ويوفرون لهم الحماية، بل إنّ البعض منهم يُقاوم الشرطة ويرفض التعاون معهم لأنهم على يقين بأنّ عليهم حماية المعتدين من أجل حماية أنفسهم.
التدريب الرياضي
قد يترتب على الانضمام لِفرق الرياضة تطور حالة متلازمة ستوكهولم لدى المُتدرِّب، فأحيانًا تُصبح تقنيات التدريب القاسية استغلالية ومسيئة، ومع ذلك يُقنع الرياضي نفسه بأنّ سلوك المدرب عادي وهو من أجل مصلحته.
متى يجب طلب المساعدة من الأخصائي النفسي؟
في حال شعرت بأنكَ تعاني من متلازمة ستوكهولم أو كان لديكَ قريب يعاني هذه المُتلازمة عليكَ مراجعة المعالج المختص، كما يُمكنكَ الاستفادة من مساعدة الأخصائي النفسي واستشارته في حالات معينة، منها:
– المعاناة من الخوف والقلق.
– تجنب جميع المواقف الاجتماعية.
– الشعور بالاكتئاب.
– رؤية الكوابيس واسترجاع الذكريات السيئة.
– اللجوء لتعاطي الكحول أو المخدرات للتعامل مع هذه المشاعر.
– عدم القدرة على أداء المهام اليومية.
– عدم القدرة على النوم.
نصائح لمن يعاني من متلازمة ستوكهولم
إذا كنتَ تعاني من متلازمة ستوكهولم كن على يقين بأنّ مشاعركَ الإيجابية تجاه المُعتدي ليست خطأً، فهي طريقة للنجاة والتأقلم مع ما تواجهه من أذى أو اعتداء أو أسر، وتعاونكَ مع الطبيب النفسي يساعدكَ على التعافي وتخطي هذه المشاعر.
وأخيرًا، إذا كنتَ تعاني من متلازمة ستوكهولم كن على يقين بأنّ مشاعركَ الإيجابية تجاه المُعتدى ليست خطأً، فلا تشعر بالخزي أو السوء تجاهها، فهي طريقة للنجاة والتأقلم مع ما تواجهه من أذى أو اعتداء أو أسر، وتعاونكَ مع الطبيب النفسي يساعدكَ على التعافي وتخطي هذه المشاعر، احرص دائمًا على طلب المساعدة إذا تعرَّضت للإعتداء والتعنيف أو في حال وقعت ضحيّةً للأسر، ولا تتردد في طلب الاستشارة النفسية من المختصين لمساعدتك في فهم مشاعرك والتعامل معها بالصورة السليمة.
*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى
المراجع
- https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/22387-stockholm-syndrome
- https://www.healthline.com/health/mental-health/stockholm-syndrome
- https://www.medicalnewstoday.com/articles/stockholm-syndrome#symptoms
- https://www.webmd.com/mental-health/what-is-stockholm-syndrome