التعافي من الإساءة للأطفال

تعدّ مرحلة  نموّ وتطوّر الطفل من المراحل المهمّة والمعقّدة، والتي تحتاج إلى الكثير من الانتباه والرعاية المكثّفة، والتي تعد مسؤوليّة تقع على عاتق الأبوين، ولكن، ماذا لو مرّ الطفل بتجربة إساءة المعاملة؟ ودخل في دوامة الاضطراب العاطفي وعدم الاتّزان النفسي الذي قد يؤثر عليه في الوقت الراهن، ولاحقًا عندما يغدو فردًا راشدًا؟ إنّ التعافي من الإساءة خلال مرحلة الطفولة يختلف من شخصٍ لآخر في سرعته وطبيعته، ولكنّه في جميع الحالات يحتاج إلى تكاتفَ جهود الأسرة والأصدقاء والمختصين، والأهم من ذلك المجهود الشخصي والرغبة في تخطّي الماضي، والمضيّ قدمًا في هذه الحياة.

ما هي الإساءة للأطفال؟

الإساءة للأطفال (Child abuse) أو انتهاك الأطفال أو الاعتداء على الأطفال هو أي أذى أو إساءة تُلحق بالطفل تحت عمر الثمانية عشَر بصورة متعمّدة، والذي يظهر على أشكال عديدة، والتي غالبًا ما تحدث في نفس الوقت، وتشمل هذه الأشكال؛ إساءة جنسيّة، سواء بالاتصال الجنسي أو دون اتصال؛ كتعريض الطفل لمواد إباحية أو تصويره بطريقة جنسية أو التحرش به، أو إساءة جسديّة وتعنيف، أو إهمال وعدم اهتمام بتوفير أساسيّات الحياة له، أو إساءة عاطفيّة؛ بتعريض الطفل للاعتداء اللفظي أو العاطفي، الذي يؤدي لتدني احترامه لذاته أو إهانته، أو إساءة طبيّة؛ بمعنى إعطاء معلومات خاطئة حول الحالة الصحيّة للطفل، وحصوله على رعاية طبيّة قد تكون متوغلة لا حاجة لها.

وفي كثيرٍ من الحالات تحدث الإساءة للأطفال من قبل أشخاص يعرفونهم ويثقون بهم، لذلك قد يشعر الطفل بالخوف من إخبار أي شخص حول الإساءة التي تعرّض لها، وهذا يعني ضرورة المسارعة إلى إبلاغ السلطات أو الجهات المعنيّة عن الحدث حين ملاحظة حدوث الإساءة أيًّا كان نوعها، ومن أهم الأعراض التحذيريّة التي تظهر على الطفل وقد تدلّ على تعرّضه للإساءة:

– تغيرات في السلوك؛ كزيادة النشاط والعنف والغضب.

– الانسحاب من ممارسة الأنشطة الاعتياديّة، أو حضور جمعات الأصدقاء.

– مواجهة مشكلات في النوم، والمعاناة من الكوابيس.

– الاكتئاب، أو القلق، أو الخوف غير الطبيعيّ، أو فقدان الثقة بالنفس فجأة.

-التطور العاطفي المتأخر أو غير المناسب.

-فقدان الاهتمام أو الحماس.

– تغيّر الأداء في المدرسة والغياب المتكرّر عنها.

– غياب متابعة أو إشراف المسؤول.

– إيذاء النفس، أو الميل للسلوك الانتحاري.

– ظهور سلوكيات جديدة، مثل التمرّد، أو التحدّي.

– فقدان المهارات التنموية المكتسبة سابقًا.

– اكتناز أو سرقة الطعام.

– ضعف النمو

-زيادة الوزن مع المضاعفات الطبية التي لا يتم علاجها بشكل كافٍ

-النظافة الشخصية السيئة

ومن العلامات والأعراض التي يجب أخذ الحذر منها أيضا: 

– ظهور إصابات على الجسد غير مبررة، مثل الكدمات أو الكسور، وغير مطابقة لتفسير الطفل في حالة الاعتداء الجسدي.

وفي حالة الاعتداء الجنسي:

– حدوث الحمل أو الإصابة بعدوى منقولة جنسيًّا، أو إصابات وآلام غير طبيعية في الأعضاء التناسلية للطفل.

– معرفة وسلوكيات جنسية غير مناسبة لعمر الطفل.

– تصريح الطفل بتعرضه للاعتداء الجنسي.

ضع في اعتبارك أن علامات التحذير تختلف باختلاف نوع الإساءة وأنها ليست سوى – علامات تحذير. لا يعني وجود علامات التحذير بالضرورة أن الطفل يتعرض لسوء المعاملة.

تعافي الطفل بعد تعرّضه للإساءة وتقديم الدعم له

يتوجّب على الأشخاص المعنيّين التعامل مع الطفل بعد تعرّضه للإساءة بحذرٍ شديد، ومعاملته بأسلوبٍ سليم يضمن تعافيه، إلى جانب الاهتمام بتوفير البيئة الملائمة التي تضمن تأقلمه بعد الصدمة، وتساعده على استعادة السلام والشعور بالحياة الطبيعيّة، والتقليل من العواقب الصحية التي يمكن أن يتعرض لها على المدى البعيد، ويمكن الأخذ بالنصائح الآتية:

– تشجيع الطفل على الإفصاح عمّا تعرّض له، مع التزام الهدوء في الأثناء وعدم الانفعال، والتركيز معه على سماع الحادثة لا التحقيق حول تفاصيلها.

– توفير الراحة له، وإعلامه بأنّك مُتاح دائمًا، وعلى استعداد لسماعه في أيّ وقت، ومنحه الحب والاهتمام، وطمأنته بجمل مريحة، مثل “سأفعل أي شيء يمكنني القيام به لمساعدتك” أو ” أشكرك لإعلامي بذلك”، وتجنب قطع وعود لا يمكن الوفاء بها؛ لتنمية الثقة وبناء التواصل الفعال بينكما، وتعزيز احترامه لذاته من جديد.

– تذكيره بأنّه ليس مسؤولًا عن حدوث الإساءة، وأنّ كامل المسؤوليّة تقع على عاتق الشخص المسيء، ويمكن الاستعانة بعبارات معيّنة للمساعدة في ذلك، مثل: “أنا غاضب من الشخص الذي فعل هذا”، أو ” أنا منزعج أيضًا، ولكن لست منزعجًا منك”.

– مساعدة الطفل على إبقاءه آمنًا، وإبعاده عن الشخص المسيء قدر المستطاع، وإبقائه تحت المراقبة في حال تواجده مع المسيء في مكانٍ واحد، والسعي إلى توفير الرعاية الطبيّة اللّازمة له إن تطلّب الأمر. 

– محاولة إبقاءه تحت ناظريك معظم الوقت ومعرفة مع من يتواجد، ويمكن ذلك عبر التطوع في الأنشطة المدرسية على سبيل المثال، واطلب منه الابتعاد عن الغرباء والبقاء بالقرب من الأصدقاء عند بلوغه العمر الذي يستطيع الخروج به دون إشراف، وقم بالتعرف على مقدمي الرعاية له، وارفض أي تبديلات بينهم، وراقب ما يُقدم له بزيارات عشوائية.

– أكد للطفل أنه ليس مضطرًّا لقول “نعم” لفعل أي شيء، وأنه يجب أن يقول “لا” عندما يشعر بعدم الراحة أو الخوف، وإن شعر بالتهديد والخطر يمكنه المسارعة للتحدث إليك أو إلى أي شخص بالغ موثوقٌ به.

– الإبلاغ عن حدوث الإساءة للجهات المعنيّة لتُحقّق حول المشكلة.

– تجنّب توجيه الطفل أو نُصحه حول كيفيّة تصرّفه أو ما يقوله للمحقّق أو الشخص المسؤول، فهذا التصرّف قد يكون سببًا في انزعاجه وارتباكه بشِدّة.

– عدم التحدّث عن الواقعة أو مناقشتها أمامه.

– تشجيعه على العودة للروتين الطبيعيّ بأسرع وقتٍ ممكن، مثل تناول طعام الإفطار، والاستيقاظ في الوقت ذاته يوميًّا، والذهاب إلى المدرسة.

– تعليمه القوانين التي تبقيه آمنًا، وتعليمه الحدود المسموحة للمس جسده. 

– إخباره أنّ تعبيره عن مشاعر الغضب أو بكاءه لا بأس به.

– عدم تواصلك بتاتًا مع الشخص الذي يوجد شكوك بأنّه مسيء للطفل.

– تمكين الطفل من تفريغ طاقاته والتعبير عن عواطفه من خلال الرياضة والإبداع.

– تقبّل أي طلبات غير اعتيادية منه، مثل الإضاءة الليلية، وترك الأبواب مفتوحة.

– توفير الدعم المناسب له من الطبيب أو الأخصائي النفسيّ إذا لزم الأمر، أو من مجموعات الدعم الملائمة لعمره.

– التأكد من تلقّيه العلاج النفسي المتخصَّص حتى إذا لم يرغب بذلك، فهذه خطوة ضروريّة ومهمّة للمحافظة على سلامته وصحّته. 

– وضع قواعد آمنة حول استخدام الانترنت لحماية الطفل، مثل:
1- وضع الكمبيوتر في مكان عام في المنزل.
2- التحقق من إعدادات الخصوصية للطفل على مواقع التواصل الاجتماعي.
3- تفعيل أدوات الرقابة الأبوية لتقييد أنواع مواقع الويب التي يمكنه زيارتها.
4- تنبيه الطفل على عدم مشاركة المعلومات الشخصية، وعدم الرد على الرسائل المجهولة، وعدم الترتيب لمقابلة مع أحد دون إذنك.
ويمكنك الإبلاغ عن أية مضايقات أو مراسلات سيئة عبر الانترنت لمزود الخدمة.  

– تجنب الرد على الطفل بغضب، واعتنِ بنفسك وخذ قسطًا من الراحة عند الشعور بالتعب والإرهاق، وحاول إيجاد طرق تمكنك من تفريغ الغضب والتعامل مع الضغط النفسي بشكل أفضل؛ مثل توسيع شبكة معارفك والحصول على الدعم من العائلة والأصدقاء، والانضمام إلى مجموعات دعم ملائمة لك للتنفيس عن إحباطاتك.

تعافي الشخص البالغ من الإساءة المتعرّض لها في طفولته

عندما يبلغ الشخص سنّ الرشد، ويصبح مسؤولًا عن نفسه وبناء حياته، يميل غالبًا إلى إخفاء أيّة أسرار تتعلّق بتعرّضه للإساءة خلال مرحلة الطفولة، ويتجنّب الحديث حول ما مرّ به كليًّا، ولكنّه يجد أنّ أثر الصدمة أو الإساءة التي تعرّض لها قد استمرّ إلى حياته الحاليّة، لذلك قد يجد صعوبة في الحفاظ على الثقة والمحبة في العلاقات، وربما يشعر بتدني احترام الذات، والاكتئاب، وفي كثيرٍ من الأحيان يلجأ للتأقلم مع هذه المشاعر السلبيّة بطرق غير سليمة؛ كتعاطي المخدرات، وأذيّة النفس، والإكثار من الشرب، أو تولّد مشاعر الرغبة في الانتحار، أو المعاناة من اضطرابات الأكل.

لمحاولة التأقلم والتعافي من المشاعر السلبيّة يمكنك اتباع النصائح والاستراتيجيّات الموضّحة في الآتي:

تحدث مع شخص ثقة عن مشاعرك، يستمع لمشكلتك ويقدّم الدعم اللازم لك، واعلم أنّ مجرّد الحديث عن الواقعة يمكن أن يزيل حملًا ثقيلًا عن كاهلك، ويخفّف من شعورك بالعزلة والوحدة.

حاول التعامل مع شعورك بالذنب لعدم قيامك بأي شيء يوقف الإساءة، وكن على ثقة بأنّك فعلت ما يتوجّب عليك فعله لتجاوز الإساءة والبقاء على قيد الحياة، فالأطفال بطبيعتهم يبحثون عن الحب والعاطفة لا عن الإساءة، ولا بدّ أن يشعر المعتدي بالذنب والعار، فلا تحمل الأمور على عاتقك.

– حاول تدوين أية كوابيس قد تراودك على ورق؛ لتساعدك على إخراج المشاعر السلبيّة بدلًا من كبحها، فالعديد من الناجيين بعد الإساءة خلال الطفولة تراودهم الكوابيس المزعجة في حياتهم.

عبّر عن مشاعر الإساءة من خلال الكتابة، أو الشعر، أو الفن، أو الرسائل، فقد يكون لهذا التصرّف أثرًا علاجيًا، ويحسّن من المشاعر السلبيّة. 

كن لطيفًا مع نفسك وذكّرها خلال اللحظات الصعبة بأنّك شخصٌ بالغٌ وراشد، ولا يمكن أن تفكّر كما لو أنك طفلًا ولم تنضج بعد، فأنت بأمان الآن، ولا أحد يمكنه الاعتداء عليك أو الدخول إلى منزلك المغلق. 

حاول إيجاد طريقة آمنة للتعبير عن الغضب، كأن تبدأ بكتابة خطاب للشخص المسيء، وتوضّح له طبيعة مشاعرك تجاه ما حدث، ويمكنك بعد ذلك إرسال الخطاب إلى المسيء إذا رغبت بذلك، أو الاحتفاظ به وقراءته عندما يزداد الغضب في داخلك، حتى تشعر بالاستعداد للتخلص منه، وعدم السماح له بالتأثير عليك طوال حياتك، وقد يجد البعض طرقًا أخرى لتفريغ غضبهم، كالاهتمام باللياقة البدنيّة، والرقص، والتحدث، أو ضرب الوسائد، أو تمزيق الأوراق، وبكلّ الأحوال، ليس عليك أن توجه الغضب على نفسك، فأنت بحاجة لكلّ الحبّ والدعم من حولك. 

تعلّم الثقة بالآخرين مرّة أخرى، فالعالم لا يخلو من الأشخاص الطيبين الذين يمكن الوثوق بهم، وابق حذرًا أيضًا، ولو تعرّضت للأذى، فأنت شخصٌ راشد ويمكنك التعامل مع مشاكلك، وبالانفتاح على الثقة من جديد يمكنك بناء علاقات ودّية وصحيّة.

تنفس ببطءٍ وعمق عند استرجاع ذكريات الماضي المؤلمة، وأعِد نفسك للحاضر أو لهذه اللحظة “الآن”؛ ربما بضرب قدميك على الأرض، أو التصفيق باليدين، أو النظر إلى الغرفة من حولك، أو الاستماع للأصوات الحالية، فهذا قد يساعد على تخفيف القلق والذعر الذي تشعر به. 

ثق بنفسك وبقوّتك وقدرتك على المضي قدمًا في حياتك، فأنت بحاجة للوصول إلى المرحلة التي لا يؤثر فيها ماضيك على حياتك اليوميّة، ولديك الخيار الآن، حيث يمكنك اختيار المسار الذي تسلكه بنفسك؛ إما بالمسار السلبيّ الذي تستمر فيه بإحباط نفسك وإلقاء اللوم عليها، أو بالمسار الذي يساعدك على التعافي؛ بالسعادة ومحبة نفسك والآخرين، والتخلص من شعورك بالذنب، والبدء بتحقيق مرادك في الحياة.

تعامل مع الاكتئاب الشديد والشعور بعدم الأمان بطريقة سليمة تُشعرُك بالرضا، كالعناية بنفسك، أو افعل شيئًا يُشعرك بالسعادة ويساعدك على التعافي والشفاء، ربما بمشاهدة فيلمك المفضّل، أو الاستماع لموسيقى هادئة، أو النظر إلى صور مريحة للنفس، أو إعداد مشروب ساخن واحتضان بطانيّة، أو غير ذلك.

– ذكر نفسك بأنّك لست سيئًا أو عديم القيمة كما تشعر، فأنت تستحق الحصول على الحب والرعاية، وعليك أن تحبّ نفسك وتزيد احترامك لذاتك قبل كل شيء، ربما يساعدك الحصول على جلسات الاستشارة النفسيّة في ذلك.

حاول رعاية الطفل في داخلك، ومنحه كل الحب، ومشاعر الأمان والطمأنينة والتشجيع، واحرص على توجيه العبارات الإيجابيّة له، بدلًا من الاستمرار في جلد ذاتك والتفوه بكلام محبط ومسيء، فبطريقة غير مباشرة أنت ترعى نفسك الراشدة عبر رعاية الطفل المحفوظ في داخلك.

– اطلب الاستشارة من الأخصائي النفسيّ، فهذا قد يساهم في تغلّبك على ذكريات الماضي السيئة والكوابيس. كما يمكنك التسجيل في المواقع الموثوقة التي تمكّن الناجيين من إيجاد الدعم والتعبير عمّا في داخلهم.

إن التعافي من الإساءة للأطفال أيًّا كان نوعها قد يستغرق بعض الوقت، فكن صبورًا مع نفسك إذا كنت أحد ضحاياه، وثق بقدرتك على تجاوز المحن التابعة له، وبقدرتك على بناء علاقات صحية من جديد، وحاول احتضان نفسك والتعاطف معها، والتغلّب على المشاعر السلبيّة بالطرق السليمة، ولا تنسَ اللجوء للاستشارة النفسيّة، والحصول على جلسات علاجيّة مع المختصّ الذي يساعدك بشكلٍ كبير على تخطّي الماضي، والمضي قُدُمًا نحو تحقيق الأهداف، والشعور بالحب والسلام الداخليّ، فأنت تستحق الأفضل في حياتك. 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Scroll to Top